أخبار
قمّة الدوحة نقطة تحوّل مُهمّة في المسيرة الخليجيّة

الجمعة، ٥ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤م, للكاتبراغدة درغام

تُعقَد القمّة الخليجيّة في الدوحة الأسبوع المُقبل في ظلّ مفاهيم جديدة للعلاقة بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومع مصر وإيران بالدرجة الأولى. فهذه قمّة إرساء توجّهات غير تلك التي سادت في السابق ورافقت ثورات التغيير في المنطقة العربيّة. إنها قمّة توقيع عقد استراتيجي نحو نظام جديد في العالم العربي ونحو الموقع العربي في موازين القوى الإقليميّة. هذا إذا نفَّذت قمّة الدوحة ما رسمته لها قمّة الرياض التي عُقِدت الشهر الماضي لضمان انعقاد قمّة الدوحة بموعدها. فإذا تغلّبت على الشكوك التي رافقت العلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات والكويت والبحرين مع كل من قطر وعمان، سينطلق مجلس التعاون الخليجي إلى جديد نوعي في قمّة تاريخيّة .
ستحتّلّ العلاقات مع مصر أولويّات قمّة الدوحة وذلك تنفيذاً لنداء الملك عبدالله بن عبدالعزيز عبر قمّة الرياض التي دعا إليها. هذه أولويّة قاطعة للدبلوماسيّة السعوديّة والإماراتيّة وهي غير قابلة للمُساومات .
وزير خارجيّة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد، قال في حديث إلى "الحياة" إن خادم الحرمين الشريفين نجح في "إعادة بوصلة العمل الخليجي المُشترك إلى مسارها الصحيح" في "قيادة تاريخيّة بارزة". أشار إلى "التطوّرات الاستراتيجيّة المُهمّة التي شهدها العام الحالي في العلاقات السعوديّة – الإماراتيّة في إطار "رؤيتهما المُشتركة" للعلاقة الثنائيّة كما في "التنسيق لمُواجهة التحدّيات في المنطقة".
هذه التحدّيات شملت صعود "الإخوان المسلمين" إلى السلطة في مصر بالدرجة الأولى علماً أن بقاءهم في الحكم في مصر كان سيُؤدّي إلى ارتقائهم السلطة في شتى العواصم العربيّة .
الدعم السعودي – الإماراتي للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يدخل في خانة الالتزام الاستراتيجي لكل من السعوديّة والإمارات بدعم دور مصر المركزي والأساسي في النظام الجديد في المنطقة العربيّة .
مواقف قطر الداعمة لـ"الإخوان" في مصر والمُعارِضَة للسيسي سمّمت العلاقات بينها وبين السعوديّة والإمارات والكويت والبحرين. حتى عُمان التي لها علاقات ذات نبرة مُميّزة مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لم تبارك دور قطر في مصر ولا دعمها "الإخوان" في شكل رسمي أو غير رسمي .
قمّة الرياض أطلقت نداء الملك عبدالله بن عبدالعزيز لكل المعنيين، من صنّاع قرار أو إعلاميين، بالتوقف عن التحريض والتسخيف بين جميع الأقطاب في قطر وفي مصر. التزمت قطر في قمّة الرياض، بإقفال محطة "الجزيرة مُباشر مصر" المُوجّهة إلى مصر للتحريض ضدّ السيسي، وذلك بصورة تدريجيّة حتى إتمامها قبيل القمّة. وعملت الدبلوماسيّة الخليجيّة على الضغط على الإعلام المصري للكفّ عن الحملات ضدّ قطر والتوقف عن استفزاز قادتها .
ففي ذهن الدبلوماسيّة السعوديّة – الإماراتيّة أبعد وأعمق بكثير من أنماط التحريض والتسخيف. في ذهنها إقناع القيادة القطريّة الشابة المُتمثلة بالأمير تميم بن حمد آل خليفة بالانضمام إلى توقيع العقد الاستراتيجي لإطلاق النظام العربي الجديد في موازين القوى الإقليميّة مع إيران وتركيا وإسرائيل، والذي يتطلب صعود مصر كدولة عربيّة أساسيّة في هذه الموازين .
هذا بدوره، وفق الدبلوماسيّة السعوديّة – الإماراتيّة، يتطلب تخلي قطر – أو أيّة دولة خليجيّة أخرى – عن دعم "الإخوان المسلمين" أين ما كان – فإذا كانت السياسة القطريّة افترضت في أيّة مرحلة أن تنظيم "الإخوان" يُشكل بُنية تحتيّة جاهزة للامتطاء إلى النفوذ الإقليمي والدولي، فالسياسة القطريّة المطلوبة خليجيّاً اليوم هي انضمام قطر إلى صنع القرار الإقليمي وإلى العقد الاستراتيجي ضمن التوافق الخليجي .
إذاً، قمّة الدوحة ستكون نقطة تحوّل مُهمّة في المسيرة الخليجيّة الإقليميّة وسيصدر عنها موقف واضح إزاء مصر إذا لم تتعثر الجهود من الآن حتى انعقادها .
العنصر الآخر في التحدّيات الإقليميّة التي ستتناولها قمّة الدوحة بنبرة مُختلفة هو إيران. وستتميّز هذه القمّة باحتضان ورعاية ودفع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة نحو تبنّي الاعتدال. الشكوك الخليجيّة من تمكّن إيران أن تكفّ عن الراديكاليّة موجودة ومُستمرّة. لكن القرار الخليجي هو إبراز التقدير والترحيب والاحتضان الخليجي لإيران الاعتدال .
اللقاء الاستراتيجي المطلوب هو الاستقرار في المنطقة وهذا يجعل الخليجيين أكثر اندفاعاً اليوم لدعم المُفاوضات النوويّة بين إيران والدول الخمس الدائمة العُضويّة في مجلس الأمن زائدة ألمانيا أي مُفاوضات 5 + 1. فأي فراغ في الحوار النووي، بحسب رأي خليجي، سيكون لمصلحة إيران عبر "تخصيب وعنترة" لأن الراديكاليين عازمون على منع استفادة قوى الاعتدال من المُفاوضات النوويّة. أما انهيار المُفاوضات، فإنه مُرعب لما قد يسفر عنه من مُواجهة مع الولايات المُتحدة وتصاعد للراديكاليّة في إيران تخشاها الدول الخليجيّة. مواقف المُرشد الإيراني علي خامنئي التي أوقفت مئة من النوّاب الراديكاليين عن استجواب وزير الخارجيّة جواد ظريف، تركت الارتياح لدى كثيرين من الخليج وجعلتهم أكثر أملاً بالاعتدال، على رغم الشكوك المُستمرّة .
قمّة الدوحة قد تبارك الدور الذي تقوم به عمان في استضافة مُفاوضات 5 + 1 النوويّة عبر الإشادة بتلك الخطوات البنّاءة. فالفراغ في الحوار النووي يُخيف دول الخليج لأن البديل عن الحوار يُرعبها. هناك من يدعو إلى مُباركة دور عمان، بل إلى البحث في إمكانيّة إعطائها صلاحيّة باسم مجلس التعاون الخليجي، أثناء قمّة الدوحة .
هذا لا يعني أن قمّة الدوحة ستتبنى مواقف عُمان من إيران. عدم التوافق في المواقف الخليجيّة إزاء ايران سيبقى قائماً، لا سيّما أن منطق عُمان يختلف كثيراً عن منطق دول أخرى في مجلس التعاون لجهة تشخيص الغايات الإيرانيّة وطموحاتها الإقليميّة .
ما قد يحدث في الدوحة هو صدور شيء ما عن القمّة يُلبّي رغبة عُمان بأن تكون لها حرّية العمل الذي تعتبره إزالةً للعقبات في العلاقات الخليجيّة – الإيرانيّة .
غارات الطائرات الإيرانيّة داخل الأراضي العراقيّة ضد "داعش" لن تلقى انتقاداً ولا اعتراضاً في قمّة الدوحة، وفق المصادر الخليجيّة. فالقمّة ستغضّ النظر عن غارات إيران في العراق لأن في ذلك "لقاء منافع" بين إيران والدول الخليجيّة المُشاركة في "التحالف" ضد "داعش"، والذي تقوده الولايات المُتحدة. إنه لقاء الأمر الواقع بين واشنطن وطهران والرياض وأبو ظبي والدوحة. فـ"داعش" أصبح نقطة لقاء المنافع لأن تهديداته وجوديّة للجميع ولأن دعم العراق والحكومة العراقيّة بات قاسماً مُشتركاً .
الخليجيّون لا يُريدون وجوداً إيرانياً في العراق لكنهم يتعمّدون تجنب المُواجهة مع "الحرس الثوري" ومع "كتائب حزب الله" ويغضّون النظر عن مشاهد تلفزيونيّة تسجّل قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني في العراق وهو يرقص ابتهاجاً بالانتصارات على "داعش". فالخليجيّون ارتأوا أن ما يتطلبه الأمر في العراق اليوم هو المُساعدة في بناء الجيش العراقي وتشجيع الفصائل السنّية على خوض الحرب ضد "داعش".
سوريا ستكون حاضرة جداً في قمّة الدوحة، في داخلها، وعلى حدودها، وعبر الطروحات الدوليّة في شأنها. ستصدر القمّة دعماً للمُعارضة المُعتدلة وللعمليّة السياسيّة الانتقاليّة المُتمثلة في جنيف – 1 وجنيف – 2، وليس للمُبادرات المُتضاربة. لكن سوريا، على رغم أهمّية ومصيريّة ما يحدث فيها، لن تغلب على الأرجح على القمّة الخليجيّة .
كذلك ليبيا لن تكون في صدارة المواقف الخليجيّة مع أن القمّة ستمرّ عليها. أحد الأسباب هو أن الليبيين أنفسهم يفضّلون المُبادرات الدوليّة على الخليجيّة .
الأردن سيتصدّر قائمة الأولويّات لأن الحفاظ على الأردن هو جزء أساسي من الاستراتيجيّة الخليجيّة. وبالتالي، سيأتي الأردن بعد مصر مُباشرة في أولويّات القمّة الخليجيّة .
وبالتأكيد سيكون اليمن موجوداً جداً في الأحاديث والقرارات الخليجيّة، إنما لن يكون ذلك بحجم الحدث اليمني لأن الشعور العام هو أن لا حاجة إلى إجراءات طارئة طالما أن "القاعدة" يُواجه "الحوثيين" في حرب استنزاف في اليمن .
قمّة الدوحة ستمرّ على لبنان بالتأكيد، لأن فيه تطوّرات مقلقة لها. فلسطين ستتربع على قائمة الضروريّات في البيان الذي سيصدر عن القمّة، لا سيّما أن مجلس الأمن يتناول المسألة الفلسطينيّة من منطلق جديد بمساع أردنيّة وفرنسيّة .
لكن ترتيب البيت الخليجي هو الأول في مُداولات قمّة الدوحة، بالتأكيد. رئاسة الكويت لمجلس التعاون الخليجي للعام 2014م "حافظت على إبحار سفينة مجلس التعاون من دون خلافات هائجة فأوصلتها إلى ميناء الدوحة مشحونة بالأمل"، وفق تعبير خليجي مُتابع لمسيرة مجلس التعاون .
رئاسة قطر لمجلس التعاون الخليجي لعام 2015م ستسجّل نقلة نوعيّة في العلاقات الخليجيّة وفي رسم النظام العربي والإقليمي الجديد شرط تنفيذ تعهّدات قمة الرياض وفي طليعتها العلاقة المصريّة – القطريّة .